وليد خازندار
بيوت النور الممكن
2017
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لا يزال ينسرق
طائر يقطع السماء
طائرٌ يقطعُ السماءَ القليلةَ بين العمارات.
ينزلُ، آخِذاً شمالَهُ
في سرعةِ من يعرفُ الطريق.
رجلٌ وامرأةٌ لا يقولانِ شيئاً
في خطوةِ من لا يريدُ أن يصل.
ينعطفانِ دون تلفُّتٍ
بينَ الدكاكينِ التي تأخرت.
يكنسونَ النهارَ في المقهى
بينَ الطاولاتِ والكراسي
يجمعونَهُ في أكياسٍ سوداءَ
ساكتينَ كمن يُصغي.
سائقُ الأُجْرَةِ في الموقفِ الفارغِ
وجهُهُ نازلٌ على صدرِهِ
ينتظرُ المسافات.
كلابٌ بعيونٍ حزينةٍ
موصولةٌ بحبالٍ لا تُرى
إلى سادةٍ معتمين.
الأشجار استسلمت للريح
الأشجارُ استسلمَتْ للريحِ
من وقتٍ طويل.
زانةٌ على حِدَةٍ
على التَلَّةِ فَوْقْ
تهزُّ المهدَ الفارغَ للغصنِ المكسور.
التلالُ تَكْبُو
إلى الوراءِ، خلفَ المنازل.
خيوطٌ بيضاءُ
خفيفةٌ من المداخنِ
تَنْشَدُّ إلى مغزلٍ أهْوَج.
غيومٌ رصاصيَّةٌ تدنو
تتجمَّعُ، تَسْوَدُّ السماء.
رويداً، بضربةٍ رشيقةٍ
نجمٌ وحيد.
شيءٌ يشرحُ القلبَ في بسالةِ الأَسقُفِ
في عنادِ الأبوابِ والنوافذ.
ستارةٌ مشقوقةٌ عن ضوءٍ خفيضٍ
تشدُّ أزْرَ الكون.
ليست للبحر نزلة من هنا
ليست للبحرِ نزلةٌ من هُنا
لكنَّ موجاً يظَلُّ يأتي وينحسر.
يدكنُ الغيمُ
يدنو من الأشجارِ أكثر.
ينزلُ صمتٌ على البيوت.
الخفيضُ، على غِرَّةٍ دائماً
بين وقتٍ ووقت.
يعلنُ ثمرةً قد هَوَتْ
الصوتُ الأكثرُ زلزلةً منذُ الينابيع.
لا تسعفُ غيرُ زهرةٍ
تخرجُ مع أوراقِها من جدار.
عشبٌ يشقُّ طريقَهُ في الأسيجة.
أيكفي قارب وحده
أيكفي قاربٌ وحدُهُ لقولِ كُلِّ شيء؟
وإنْ مطويٌّ عليهِ شراعُهُ
جانبَ الضَّفةِ، يملأُهُ المطر.
الماءُ واقفٌ تحتَ الجسرِ كأنَّهُ يفكِّر.
قميصٌ شاغرٌ إلّا من الروحِ
عالقٌ بالشجرةِ العارية.
قد ينجَرِحُ الصمتُ في حِدَّةٍ
إذا قَطَعَ القطارُ الذي لا يقفُ هُنا.
صوتُ الأمسِ، والأيَّامِ كُلِّها.
البيوتُ خفيفةٌ، تعودُ إلى الوراء.
لم يرجع الذين قالوا إنَّهم لن يتأخَّروا.
قلوب على السور
قلوبٌ على السُورِ
أَحْرُفٌ أُولى.
الطفلُ العاري بأجنحةٍ وقوسٍ
يُصَوِّبُ سهماً إلى السماء.
الصريرُ ساكتٌ على قِفْلِ البوّابةِ
كوخُ الحارسِ قبلَ الدرجات.
المدخلُ تحتَ الأوراقِ الهاويةِ
من الأشجارِ، على جانبيه.
عشبٌ من أُصصِ الأزهار.
تُشيرُ كتاباتٌ على الحوائطِ
إلى الحديقةِ والملعبِ والصالاتِ
فلا يتوهُ أحد.
الزمنُ، دونَ صُحْبةٍ
في الممرَّاتِ بين الفصولِ
على الدرجاتِ المكشوفةِ
صاعداً إلى الأدوار.
جَرَسُ الدرسِ الأوَّلِ
اللامسموع.
نافذتان قبل الشمس
نافذتانِ قبلَ الشمسِ
ثالثةٌ أعلى، من أجلِ الظلال.
ما أطَلَّ أحدٌ مَرَّةً
أو تحرَّكَتْ ستائرُ بيضاءُ
زهورُها زرقاءُ صغيرة.
لن يهتدي قاصدٌ بالعلامة:
بابٌ سنديانٌ أمامَ الموجِ
قربَ عوسجةٍ زهورُها صفراءُ
في هذا الوقتِ من السنة.
مقعدٌ حَجَرٌ وراءَ كُلِّ شيء.
لم يجلسْ عليهِ أَحَدٌ بعدُ
أو تَمَشَّى في سَرْحةٍ
وانحنى لأوراقٍ هُنا وهُناك.
بخوراتُ مريمَ لائذاتٌ هذا العامَ أيضاً
بعوسجةٍ لا تجاورُ أيَّ شيء.
منزلُ البابِ السنديانِ
أمامَ الموجِ، كلام.
ضربات بعيدة تصمت
ضرباتٌ بعيدةٌ تصمتُ
ثلاثٌ، ولا يحدثُ شيء.
عاصفةٌ تخطفُ الأوراقَ في مرورِها
عن الرصيفِ وتختفي.
الطيورُ ذاتُها
تلكَ التي ترافقُ العشيَّاتِ أحياناً
تُحَرِّكُ الأغصان.
تكسرُ أعمدةٌ ضوءَها
في صبرٍ، على النوافذ.
ليس إلّا أن يصلَ الأطفالُ فجأةً
المحروقونَ أنفسُهم
يدقّونَ أبوابَ البيوتِ، يطلبونَ ماء ــ
كأنَّها سوف تمطر.
الآن، من سنين كثيرة
الآنَ، من سنينَ كثيرةٍ
التوتُ الأسودُ البريُّ
الأشواكُ الصغيرةُ اللامرئيَّةُ
الثمارُ والأوراق.
البابُ متروكٌ على نصفِ انغلاقِهِ.
غصنٌ مكسورٌ في المَمَرِّ
كأنَّ شيئاً لا يزالُ ينسرق.
البئرُ بين العُشْبِ الذي علا
آخِرَ الأشجار.
الحصاةُ التي هَوَتْ
صوتُ الماءِ البعيد.
أحدٌ ينزلُ الدَرَجَ
الآنَ، من سنينَ كثيرةٍ
دونَ خُطاه.
عيونهم لاحقت ما يدور
عيونُهم لاحقَتْ عُمْرَيْنِ ما يدور.
بعضُهم على ابتسامةٍ
لا يفسِّرُها الأثاثُ
ولا لونُ الستائر.
تكادُ شفاهُهم تتحرَّكُ
حين ننظرُ
طويلاً، إليهم.
في أدراجِهم رسائلُ في ظروفِها
بين المحبَّةِ والزَعَل.
دعواتُ خطوبةٍ وزواجٍ
بطاقاتٌ
أعلامٌ صغيرةٌ لصدورِهم
ساعاتٌ واقفةٌ
وثائقُ سَفَرٍ وإقامة.
بعضُهم ينقطعُ خيطُهُ
يرتمي على الأرضِ
حينَ تنقصفُ المنازل.
المجذاف القصير
المجذافُ القصيرُ مثلَ مِعْوَلٍ
يكادُ يَصْفُرُ لحناً شائعاً بيننا
من طولِ اتِّكائِهِ
قربَ نافذةٍ تواجهُ البحر.
لم نعد ننظرُ، إلّا ربَّما، إليهِ
أو حين يستبدُّ بِنا غيابٌ
أو نسمعُ الأخبار.
نصفنُ فيهِ أحياناً
إذا اقتربَتْ من المقهى زوارقُهم
تضيئُهُ، ويكادُ يكشفُنا.
كُنّا وجدناهُ على الرملِ
أفكارُنا على الشاطئِ
تأخذُنا ونرجعُ
لا نرى خلفَ الموجِ
غيرَ الغروب.
الأولادُ ذهبوا منذ الفجرِ
يحفرونَ وراءَ الموج.
يأتون من أنفسهم
يأتونَ من أنفُسِهم
واضحينَ من كثرةِ الغياب.
أُنْظُرْ إلى النشوةِ
بسالةِ البهاءِ في وقتٍ كهذا
أجنحةٌ خفيضةٌ ترافقُهم
وتُحَرِّكُ الأوراق.
في خِفَّةِ من سيرجعُ
يبتعدونَ أكثر.
يتلبَّسُ خطوَهم أُفقٌ عند الزوال.
النهارُ ينتهي
وما أنهيتَ عملَكَ
سعيكَ أن تعلو بهم مطالعُ
قبلَ الظلام.
تَدَبَّرْ في الأقلِّ أخْيِلةً تلاحقُهم
وانظُرْ في عينِ القادمِ
في ثباتٍ، إن استطعت.
لك زمن جالس مثلك
لكَ زمنٌ جالسٌ مثلكَ
لا يستدعيهِ أحَد.
صُوَرُ الملامحِ نفْسِها
أينما تنظرُ
البلاغةُ التي على الجدران.
إجْلِسْ، بَعْدُ
نصفٌ زيادةً لم يزَل من الليل.
تَمَدَّدْ إنْ أردْتَ على المقاعدِ
مشدوداً إلى شوارعَ
لم تعد تكفي لِسَرْحَةٍ.
إطوِ ذراعكَ تحت رأسِكَ
إحلمْ بأبوابٍ
أغلَقَتْ في وجهِكَ الدنيا.
تَحَدَّثْ على عتباتِها
إلى من شئتَ في المنام.
لكنْ على نصفِ إغماضةٍٍ ــ
إنتبهْ إلى ما تَبقّى
من وجودكَ اليسير.
بينكم، لا يعرف كيف عاد
بينَكم، لا يعرفُ كيفَ عاد.
تأخذونهُ باردينَ إلى المقاعد.
إنَّها نفْسُها
وأنتم، كأنَّما في صورةٍ، قاتمونَ أكثر.
الثمارُ في الصحونِ نفْسِها.
يمدُّ يداً
يلمسُ تفّاحةً ويكتفي.
كان عادَ مَرَّةً قبلَ هذا
من أجلِ أغراضِهِ
فأنكرتُم كُلَّ شيء:
بذورُ أخْيِلةٍ
أحلامٌ يقظى على السقفِ
خيطُ فجرٍ يرفعُ الشمس.
هل تأخذونَهُ إلى غرفتِهِ:
البساطُ الغامقُ
كرسيُّ القميصِ قربَ السرير.
الستارةُ المشقوقةُ دائماً
لأجلِ الضوء.
لا تتركوهُ يفتحُ شُبّاكَهُ
يرى ما فعلتم بالحديقة.
رُدُّوهُ، أو سيصحو
في وخزةٍ، وتختفون.
الصبّار أوّل ما سيبدو
الصبّارُ أوَّلُ ما سيبدو
من يديكَ، عند الباب.
والدارُ لم تقصر
إنَّما السروةُ قد عَلَتْ.
والمجنونةُ، من يديكَ أيضاً
صارتِ الآنَ أعلى وأعلى
مُلْتَفَّةً على كُلِّ شيء.
البابُ لم يزَل جَهْماً من الأسرارِ
من الوشوشاتِ السريعة.
داكنٌ ربَّما زيادةً
من عطشِ النباتِ على جانبيه.
دُقَّهُ حينما تصلُ
ليس واحدةً ثلاثاً إثنتينِ
لن يعرفوا أنَّهُ أنت.
إنَّهم في حكايةٍ لستَ فيها
جمرتُهم غيرُ التي قلَّبْتَها
لا يرونَ في أيِّ شيءٍ حولَهم يديك.
إستعرْ حين يفتحون جذوةً
من أيِّ موقدٍ تريَّثَ في كلامِكَ.
شُدَّهم إليكَ، واحدةً واحداً
كأنَّكَ غِبْتَ ساعةً.
لكنْ، إنتبهْ.
إن لم يفتحوا لكَ البابَ
أو فتحوهُ ثُمَّ أغلقوهُ في شِدَّةٍ
في وجهِ الغريبِ الأشيبِ هذا
يَدَّعي أنَّهُ أنتَ
إنْ تجهَّمَ عندها البابُ في عينيكَ أكثرَ
والمجنونةُ أنشبَتْ
في الفراغِ نحوكَ اشواكَها
والصبّارُ أيضاً
أرجوكَ لا تحاولْ حينَها شيئاً بمفتاحكَ.
II
بيوتهم عن ظهر غيب
لماذا بيوتهم دائماً
لماذا بيوتُهم دائماً؟
تنفتحُ لهم في الدَّوِيِّ
أبوابٌ ساطعة.
إصغاؤهم إلى قلبِ السكون.
على حافَّةِ مصائرِهم
كأنْ ليس غيرُهم من لهُ مصير.
الليل يجمعهم مثل أبنائه
الليلُ يجمعُهم، مثلَ أبنائِهِ
إلى جمرٍ تريَّثَ
يحاولونَ مع الرماد.
دونَ حمايةٍ، فرادى
يأخذونَه إلى الأقصى من المجازات.
خيامُهم قربَ عناوينِهم هذِهِ المَرَّة.
كان الكبارُ بنوا بيوتاً
قبلَ هذِهِ التي انقصَفَتْ
الصغارُ يعرفونَ الطريقَ إليها.
يستعيدونَ بالأغاني بهجةَ البِناء.
حتّى أنَّكَ تسمعُ ناياً آخِرَ الليلِ
منفرداً، بين الخيام.
لهم كلّ ما يصلح للغناء
لهم كُلُّ ما يصلحُ للغِناء:
الجدرانُ التي هَوَتْ
الأَسْقُفُ، طابقاً فطابقاً
الأعمدةُ
نوافذُ ما كانوا يألفون.
مطالعُ تعلو
تعشَّقَتْ لهم حجارةٌ عليها.
رجاؤهم هُنا
أرضٌ ليس غيرُها، قليلةٌ يابسةٌ
أخيرةٌ، مُغْلَقةٌ على مصائرِهم.
لا تقطعُ السرابَ رايةٌ
لا سُفُنٌ تُلَوِّحُ من وراءِ الموجِ
إلّا في خيالِهم.
لهم لجَّةٌ لا تبتعدُ
ناشفةٌ على الأشرعة.
في كلامهم شواطئ
في كلامِهم شواطئ، تأتي وتذهبُ
راياتُها، أضواؤها.
قوافلُ تنفُضُ السرابَ عنها ما أن تصل.
تستريحُ، أو تَبني منازل.
لا يذهبونَ الآنَ، لا يأتي أحد.
لا رسائلُ إلّا من هواجسِهم.
يبدؤونَ بالصمتِ
يختمونَ بِهِ.
يستأنفونَ أينَ توقَّفوا ــ
المطالعُ التي تكوَّمتْ لهم حجارةٌ عليها.
يجرحهم أيّ عشب
يجرحُهم أيُّ عُشْبٍ على الحجارةِ المرميَّة.
كُلَّما قالوا حديقةً رَقَّتْ أصواتُهم.
يكونُ عليهم أن يتماسكوا
في الأقلِّ أمامَ أولادِهم
أمامَ شجرٍ
لم يزل واقفاً عندَ العناوين.
ليس كُلُّهم يستطيعُ هذا.
تقفُ واحدةٌ لا تقولُ كلمةً
أمامَ نصيبِها من الركامِ
لا نعرفُ ما تَنْتَوِي.
لكنْ إذا نَظَرَتْ مُباشرةً
لا تُحَرِّكُ وجهَها
إلى زهرةٍ تخرجُ من الهَدْمِ
يمكنُ تحديدُ وِجْهَةٍ.
مجروحون من وضوحهم
مجروحونَ أيضاً من وضوحِهم.
أيَّةُ نارٍ طوَّعَتْهم
قاطعينَ هكذا في كلامِهم.
مقاصدُهم مرفوعةٌ
على أبوابِ خيامِهم.
حيرتُهم ليستدلوا.
يخرجونَ إلى الساحاتِ كُلَّما احتاروا.
أَخْطَفُ من أن يتردَّدوا
يختارونَ أن يبدأوا، كُلَّ مَرَّةٍ، من جديد.
الغناءُ ليسهروا.
يرافقونَ الليلَ في مشيئةٍ.
كلّما تأخّرت سقاية
كُلَّما تأخَّرَتْ سِقايةٌ
أَرْهَفَتْ كلامَهم عن الجذور.
إصغاؤهم إلى صمتِ الحقولِ
إلى العتمِ، ينظرونَ إلى آخرِهِ.
أتلكَ أخيلةٌ أَم الأطفالُ عادوا
المحروقونَ، أنفسُهم
يسترقونَ شيئاً من حلاوةِ الروح؟
تمكنُ رؤيتُهم فرادى على قماشِ خيامِهم
في النورِ الممكنِ
قربَ البيوتِ الكسيرة .
قد تطيرُ نَفْسٌ آنها من ثقوبِ الناي
إن غيَّمتْ في الأغلبِ
إن سقطَ مطرٌ خفيف.
يعود الكلام دونهم
يعودُ الكلامُ دونَهم
إلى الحجراتِ المضروبةِ بالفراغ.
يُصغي ويسكن ــ
حواراتٌ كثيرةٌ تفحَّمَتْ هُنا.
الصيحاتُ التي هَبُّوا إليها
حملوها وركضوا
يستدركونَ أعمارَها بينَ الشوارعِ
لم تزَل على وجوهِهم.
أيديهم كثيرةٌ على المعاول.
يتوقَّفونَ فجأةً
يتسمَّعونَ إن كان أحدٌ
لم يزَل يتنفَّسُ تحتَ الردمِ
قربَ الأساس.
بيوت رسوم عزلة
بيوتٌ رسومُ عُزْلَةٍ
في أماكنِها المألوفة.
من صَفْنَتِهم أنَّهم يستعيدونَ بناءَها
يُرَتِّبونها، ويسهرون.
يعرفونها عن ظهرِ غيب.
درفةُ شُبّاكٍ واحدةٌ
مكسورةٌ جانباً
تُطِلُّ على حياتِهم كُلِّها.
لَهُمْ صُوَرٌ في حجراتِها
يبتسمونَ فيها معاً.
الجدرانُ واقفةٌ وراءَهم
وتظهرُ أَسقُفٌ تنزلُ منها ثريّاتُ ضوء.
عناوينُها كانت
ذاتَ مَرَّةٍ، على الحقائب.
أهي بيوت حسب كي تسكنهم
أهِيَ بيوتٌ حسب كي تسكنهم
كأنَّها لم تزَل، وكأنَّهم فيها
يُطِلُّونَ منها على أنفُسِهم.
تمكنُ رؤيتُهم واقفينَ في مكانِها
أين كانت الأبوابُ
كأنَّ مفاتيحاً تدورُ في خواطرِهم.
أيهتدي عزيفٌ
في خرابٍ كهذا، إلى النوافذ؟
أتعودُ أُلْفةٌ إلى الحجراتِ ثانيةً؟
أتستدلُّ الطيورُُ إلى أماكنها على الشرفات؟
كأنَّما تهوي أوانٍ في خواطرِهم
حين يُطْرِقون.
لن يكون جنيهم إلّا وفيراً
لن يكونَ جَنْيُهم إلّا وفيراً، يؤكِّدون.
تبدأُ أشجارُهم، يبدأُ الحريق.
مواعيدُهم إرثٌ
وصايا يذهبونَ في مواعيدِها.
كأنَّهم تائهونَ من شِدَّةِ اليقين.
الرجالُ والنساءُ شاركوا في العاصفةِ الأخيرة.
الأولادُ والبناتُ يعرفونَ عنها الكثير.
إن هَبَّتْ في أيّامِنا، يقولونَ
سوف نأخذُها إلى أبعدِ ما تصل.
يسترشدون بالأغاني
بالمقاطعِ التي يتحيَّرونَ عندها.
إنشدادهم إلى البحر خصلة
إنشدادُهم إلى البحرِ خَصْلةٌ.
يجلسونَ عشيَّةً أمامَ الموجِ
ساعاتٍ، ساكتين.
يعاينونَ الأفق.
يحفرونَهُ بخواطرِهم
حيرةً، ملاذ.
تلزمُهُم أشرعةٌ غيرُ هذِهِ، يقولونَ
يُعَلِّمونَها مقاصدَهم.
مجاذيفُ أقوى، أكثرُ خِفَّةً
تهمسُ بهم إلى ما انسرق.
يعرفونهُ ويغرقونَ إليه ــ
المراكبُ التي تنكشفُ تكونُ وصَلَتْ.
الأفق حائط ظهورهم
الأفقُ حائطُ ظُهورِهم.
ينغلقُ عليهم كَلُّ ما يقصدونَهُ.
أرضٌ مُطَوَّقةٌ
فضاءٌ مكشوفٌ يحفرونَ غيرَهُ.
دليلُهم رَمْلٌ ليس إلّا
موجةٌ في سِرِّهم.
هواجسُهم، أينما نظروا
تأخذهم إلى أبعدِ ما يرون.
يذهبونَ بأنفُسِهم
بالملابسِ التي قد تكونُ الأخيرةَ
بما يريدونَ قولَهُ، ليكتمل.
الطريق المعبورة من جروح كتيمة
الطريقُ المعبورةُ من جروحٍ كتيمةٍ
تحتَ رتاجاتٍٍ تصدأُ الأيّامُ عليها.
يستقربون عاصفةً
تكونُ أقوى هذهِ المَرَّة.
لا تستديرُ عن مقاصِدِهم.
في حراسةِ لايأسِهِم.
من العتمةِ الأحلكِ
يأخذونَ طريقَهم إلى النور.
فرادى، أو رِفْقَةً
يصبحونَ في خيوطِهِ.
قد يبتكرونَ نجمةً بعدَ حين ــ
لا يكونُ عبورُهم دونَ سماءٍ محروسة.
المألوفة الأكثر خطراً
المألوفةُ الأكثرُ خَطَراً
الأقربُ إلى مصائرِهم
الطريقُ، في حمايةِ العناصر.
قد يلمعُ فِلِزٌ هُنا
مِدْيَةٌ، نصلُ فأسٍ
منجلٌ دونَ قبضتِهِ
وتصعبُ معرفةُ الزمان.
يتربَّصونَ بأيَّةِ نأمةٍ أعلى من هواجسِهم.
يمكنُ أن تُطْبِقَ في أيَّةِ لحظةٍ عليهم
جهاتُ أن يَصِلوا.
لا نعرفُ أسماءَهم
إلّا حين لا يمكنُ أن نناديهم.
III
حجرات ولستم هنا
لا نجمة لم تنطفئ
لا نجمةٌ لم تنطفئ
على هذا المُرورِ السريعِ اللّانهائي.
لن يسقطَ مطرٌ على أعمارِكم
زهرُ اللوزِ أبيضُ في هذا العامِ أيضاً.
لن تنظروا من النوافذِ
بوجوهِ القِطَطِ الصغيرة ــ
ما أجملَ الياسمينَ على الأسيجة.
أحقاً تمكن رؤيتكم
أحقّاً تمكنُ رؤيتُكم بالملابسِ نفْسِها
قربَ الهديرِ الذي انولدتُم عليه؟
الذين أنتم في عيونِهم يؤكِّدونَ هذا.
يصفونَ عودتَكم واحدةً واحداً
غالباً عندَ المغربِ
أو كُلَّما كانت ظلال.
وجوهُكم مثل آخرِ مَرَّةٍ
الملامحُ الأليفةُ
حين يصعبُ وصفُها
بالوقتِ والمكانِ والدَوِيّ.
يعودون إلى زحفكم إليهم
يعودونَ إلى زَحْفِكم إليهم
المُقَدَّسِ، من بابٍ إلى باب.
خطوُكم.
تهوي قلوبُهم حين تعثِرون.
الجدرانُ التي استندْتُمْ إليها.
يدُ النارِ كَسَرَتْ عليكم
على رموشِكم وحواجبِكم.
هل أومأْتُمْ إلى أبديَّةٍ؟
الذين عثروا على وجوهكم
واثقونَ من هذا.
شفاهُكم أرادَتْ أن تقولَ شيئاً
عيونُكم على أبعدِ ما يمكنُ
دونَ أن ترمشوا.
من ذا يدفع مركباً
من ذا يدفعُ مركباً في اللَّيلِ
يصنعُ بعدَ الموجِ ضوءًا قوياً
يعود أو لا يعود؟
أيكونُ خايلَهُ خطوُكم أمامَ البحر؟
أَقدامٌ صغيرةٌ حافيةٌ على الرملِ
ينحسرُ الموجُ عنها.
هل ساورتْهُ ملائكةٌ محروقةٌ عَطْشَى
تمُدُّ أيديها إليهِ، فلم يحتمل؟
قد يكونُ رآكم بالملامحِ الأخيرة.
أسماؤكم جمر حين يسمعونها
أسماؤكم جَمْرٌ حين يسمعونها.
حروقٌ تسبقُ أسماءَهم.
وجوهُهم تتغيَّرُ
حين يذكرُكم أحد.
يتجنَّبونَكم، تعودونَ بلا رأفةٍ
لا تلتفتونَ إليهم، كأنَّكم غاضبون.
كاملُ الترابِ على ملابسِكم
نفْسِها، آخرَ مرَّةٍ، المليئةِ بالجروح.
عودتكم ليست إلّا من هنا
عودتُكم ليست إلّا من هُنا.
الأرضُ التي لن تكبروا علىها
ولن تروها تصغرُ أكثر.
إندفاعُ ملامحُكم
على مَهَلٍ
إلى حدِّ أنَّهم لا يرونَكم تكبرون.
أصابعُكم لم تزَل على وجوهِهم
أيديكم التي أمسكَتْ بقوَّةٍ بالمفاتيح.
كانت حواجبُكم قناطرَ أحلامِهم
ما ترونَهُ ولا يقدرونَ عليهِ
يأتيهم في المنام.
أتبيتونَ عندَهم إن غَنُّوا لكم
الأغاني التي تنامونَ عليها؟
أيمكنُ الغِناءُ لأطفالٍ قَتْلى؟
الذين أنتم بقيّة لحياتهم
الذين أنتُم بقيّةٌ لحياتِهم
لم يفرحوا بِكُم كفايةً.
تندفعونَ إليهم
تأخذونَ من غيرِ أن تعرفوا
تعبَ النهارِ عنهم.
يحملونَكم على أكتافِهم
يدورونَ بكم
تلامسونَ سماءَ الحجرات.
يرونكم عندما تشاؤونَ
والكُلُّ يعرفُ هذا.
تنعطفونَ إلى الشوارعِ الأضيَقِ
اللّامعبورةِ إلّا منهم.
لم يمرُّوا كفايةً بكم
المكشوفونَ الآنَ
تدخلونَ عليهم دون أن تستأذنوا.
الأرضُ هذهِ
اليابسةُ الأضيقُ من فرحةٍ
القليلةُ المشدودةُ عليهم
كانت ضحكةٌ منكم
تكفيها لتتَّسِع.
يعاينون الزوايا
يعاينونَ الزوايا
يَحْسُبونَ الحجارةَ التي سَلِمَت.
يريدونَ بالحجارةِ هذِهِ نفْسِها
أن يبنوا ما تَهَدَّم:
جدرانُ صيحةٍ توقَّفَت على شفاهِكم.
نوافذُ لن تُطِلُّوا منها
حُجُراتٌ، ولستم هُنا.
أيستطيعونَ أن يتماسكوا
إنْ جئتم تُشْرِفونَ على البِناء ــ
يتخيَّلونَ أماكنَ الأبوابِ
تعبرونَها.
ما الوقت
ما الوقتُ
حين ينظرون في الساعات؟
العشيَّةُ أن تندفعوا إليهم
وأن يرفعوكم عالياً.
الفجرُ أن يردُّوا عليكم الأغطية.
أن ينظروا إلى وجوهِكم
يبدؤونَ بها النهار.
ما الأيّامُ، لا تمرُّ بكم
أعيادُ ميلادِكم
ولا تكبرون ــ
ملابسُكم سوف تبقى
تناسبُ أعمارَكم.
الألوهةُ.
أنتم أمامَهم ولستم هُنا
حضوركم حريرُ أزلٍ
في الحجراتِ المسكونة.
ما أصغركم على الخشبات المألوفة
ما أصغركم على الخشباتِ المألوفةِ
على أكتافِ من لم تعرفوهم كفايةً
أوشَكْتُم من خفَّتِكم
أن تطيروا.
يزورونَكم، ولا تتأخَّرونَ عنهم
يقفونَ طويلاً على نصيبِكم من كاملِ الترابِ
يشعرونَ بكم تتنفَّسونَ في الجوار.
أحَقّاً تمكنُ رؤيةُ أرواحِكم
غالباً عندَ المغربِ
أو كُلَّما كانت ظلال؟
طيورٌ بيضاءُ صغيرةٌ تُحَوِّمُ فوقَ البيوت.