غرف طائشة
وليد خازندار
1992
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أسماء العشية
الفاتنُ الوِجْهَةِ
صارَ يتقنُ الصبحَ من رعشةِ الندى
والشمسَ من حفيفِها
واتجاهَ الريحِ عندما يقولُ دفّةٌ، كنايةً.
المستريبُ من الشرفات.
من زهوةِ الريحانِ فيها في محابسهِ
الهَشُّ في هذه العافيةِ
صارَ يعرفُ من ظلالٍ كثيرةٍ
أسماءَ العشيَّةِ كُلِّها.
كم خطوةً تريَّثَتْ بعدُ في احتمالِهِ
كم منزلاً في الخطوةِ؟
الساكتُ
إذ يعبرُ الآنَ شجرَ الكلامِ تحجبُهُ
كُلَّما أوغلَ، الثمارُ، أكثر.
ركوة، بعد
سَحَرٌ.
تريدُ أن تقولَ رَفَّةٌ بيضاءُ حائرةٌ
بين الوقيعةِ والعناد.
شَغَفٌ على دَرَجَيْنِ قبل الباب.
أظنُّ أردتَ صباحاً أوسعَ من هذا قليلاً
كيلا تضلَّ.
شَرَكٌ على عَلَّاقةِ العطرِ
بَعَدَ البابِ
إذ ما يكملُ المفتاحُ دورتَهُ يَشِبُّ.
موجٌ على الجدرانِ
في الوقتِ، والمجذافُ أخيلةً.
ركوةٌ وشواطئُ مشبوبةٌ، بَعْدُ.
عصف وموجة
على مهلٍ يساورُ هدأةً
بأغنيةٍ، ورَفَّةِ سنديانٍ
من البعد منكشفٍ، كثيفٍ، ذاهلٍ.
كأنَّهُ لم يفقْ بعدُ من عصفٍ وموجةٍ.
كأنَّهُ لم يجئْ واضحاً
كصفيرٍ في عتمةِ الميناءِ موحشٍ.
كأنَّ على كتفِهِ
كُلَّما استدارَ ليغلقَ الشُبَّاكَ
نصفَ غائبٍ، إيالةً.
ما الذي، كأشرعةٍ
يظلُّ يومضُ في يديهِ؟
ما الذي يداورُ
في الصباحاتِ الوضيئةِ، بالَهُ
ثُمَّ عن أيِّ شيءٍ
كلَّما ارتبكَ
يظلُّ يبحثُ في درزةِ القميص؟
مراكبُ الكستناءِ استعادتْ مراسيها
بطيئاً، بطيئاً
ثُمَّ غادرتْ
والمنازلُ التي في البالِ أشعلتْ شرفاتِها
منارةً، منارة.
حرير عتيق
عشيَّةً
في زئبقِ النهارِ كُلِّهِ
في سَوْرَةٍ هي الأخيرةُ دائماً
يأخذُ من رجفةِ الظِّلِ
يرسمُ وِجْهَةً
تاركاً أمرَهُ لنوءٍ
يرسمُ قافلةً وفوضى.
ذاكَ عندما، مجروحةً قليلاً
تذهبُ الأشياءُ إلى اندلاعِها:
ملابسهُ والحقيبةُ فوقَ الخزانةِ
وسادتُهُ والبابُ
والجذورُ الخفيَّةُ، والهوى.
في مخلبِ الصبحِ يبقى
مثلَ حريرٍ عتيقٍ
هادئاً ويحرِّكُ النارَ
مستريباً ويوغلُ
تاركاً أمرَه ُللتردُّدِ الأعمقِ فيهِ
ذاهباً في أوارٍ لا ينتهي
في عتمةٍ بيضاء.
خلسةً، وردةً
درجاتٌ ثلاثٌ ليعرفَ السماء.
كرسيٌّ للصباحِ
هو نفْسُهُ للعشيَّةِ
قبالةَ الأيامِ كي يرتِّبَ الفصول.
داليةٌ
ممرٌ ناحلٌ بين الشجيراتِ ليسهو
ليسحبَ خلفَهُ، ناعماً
سنابكَ أفكارِهِ.
شوكةٌ للزنبقِ
لينتفضَ
ليرفضَ ما لا يشاءُ من الأصابعِ
صرخةٌ للياسمينِ
إذ ربّما، من يدري؟
قبضةٌ وأظافرُ ذئبٍ
لا لشيءٍ سوى المجد.
المجدُ حينما البرعمُ خلسةً
يتشيطنُ وردةً
والعصافيرُ تُرْعِشُ السياجَ
والسحاباتُ تقترب.
المجد حينما الريحُ التي من وجَلٍ وطلعٍ
تداورُ، في أوَّلِ الليلِ، النافذة.
الشوكة هذه
الحميمُ في وِجارِهِ.
وَتَرٌ وهالٌ، ركوةٌ
صباحاتٌ عتيمةٌ
والشمسَ كُلَّها لا يستدلُ.
أيمكنُ لو أسرجَ بينَهَ وبينَهُ الكلامَ
أن يعتلي سهوةً؟
أيمكنُ في الركنِ
في الأريكةِ التي اعتادَ
أنْ، في لحظةٍ، يصالحَ الشوكةَ هذه؟
ولو أنَّه غيَّر الماءَ للوردِ
وشذَّبَ النباتاتِ، مُرْهِفاً سَمْعاً
إلى تَمَلْمُلِها في محابِسها
أفي هذا كفايةٌ سبباً لأُلْفَةٍ؟
في الليلِ خَفْقُ أجنحةٍ كبيرةٍ
عواءٌ مسترسلٌ وعزيفٌ.
يغلقُ الشبَّاكَ
يطمئنُّ، للمَرَّةِ الألفِ، من حكمةِ الباب.
لو أنَّهُ يحاولُ مَرَّةً، في السِرِّ، أن يغنِّي
لو أنّه يهمسُ:
«يالَهُ من مساءٍ جميلٍ»، دريئةً.
الحميمُ في وِجارِهِ
ما تغيَّرَ، أسبوعين، فيهِ شيءٌ.
لكنّه، بين التفزُّعِ والرِّضا
بدأتْ لَهُ مخالبُ هذا الصباح.
هنيهةً، قبل الجرس
سيأتونَ بالموجِ في أَكُفِّهم
بعدَ برهةٍ
وبالضحكةِ العالية.
سيملؤونَ غرفة الجلوس بالزوايا
وسيكملون في المطبخِ
حينَ يتبعونَكَ الكلام.
لكنْ كيف يمكنُ لو دخلوا غرفةَ النومِ
أنْ تفسِّرَ كُلَّ شيء؟
ستأتي كالنبيذِ مرتبكاً
زاعماً أنَّكَ نِمْتَ هنيهةً قبلَ الجرسِ
وأنَّكَ، إذ صحوتَ
وجدتَ هذهِ الأجنحةَ الكثيرة.
الأجنحةَ التي، حينَ دخلوا
ظنَّ كُلُّ واحدٍ
أنَّهُ وحدَهُ رآها.
موسمان على غيمة
أشعلْتَ هادئاً
على الشُبَّاكِ الذي لا يُطِلُّ الستارة.
لملمتَ أوراقاً لم تكن كثيرةً
هجستَ:
أكنتُ موسمينِ على غيمةٍ
أم قاربتُ سَمْتَاً موسمينِ غائمين؟
نزلْتَ الدرجاتِ الأربعِ الرخاميَّات.
تردَّدْتَ دهراً في هنيهَةٍ
ثُمَّ أكملْتَ
نزلْتَ الدرجاتِ الثلاثِ الباقيات.
أُدْخُلْ الآنَ المجازَ الوحيدَ أمامكَ
لا تلتفت.
لا تستعرْ حِكْمَةً لما أغفلْتَ
أَوْسِعْ ما بدأتَ من الكنايةِ ـ
هذا الذي تركتَ خراب.
نكهة خفيضة
الشمسُ في السَّمْتِ
لا فَيْءَ
في ذاكرتي وسادةٌ
سأستمرُّ.
ما من قطاةٍ لتعرفَ السماءُ وِجْهتَها
ما من غيمةٍ ليتَّكِئَ الفضاءُ.
والرياحُ
لو أردتُ أن أتركَ الأمرَ كُلَّهُ
بعثرَتْ أثري ورائي.
والأمرُ نكهةٌ خفيضةٌ في كرومٍ بعيدةٍ
الأمرُ عتباتٌ ثلاثٌ وباب.
المدى ساطعٌ.
الشمسُ ما تزالُ في السَمْتِ.
ألمحُ سراباً.
سأنجو.
ما سوف يأتي
العائدُ من جمرةٍ
يعبرُ الآنَ قبلَ النَّدى
من كُوَّةٍ في السياجِ نفسهِ
متلفِّتاً ذئباً
ذاهلاً مثلَ سنبلةٍ
وخبيراً بالمواسم.
هو ذا في الممرِّ الترابيِّ الطويلِ
يوسعُ الخطوَ
هو ذا على الدّرج
في الرِّواقِ
معتمٌ كثيراً إلى جمرةٍ ثانية.
العائدُ بعدَ غيمةٍ
يهطلُ الآنَ في المحارةِ نفسِها
ذائِبا نَعَساً
وناعماً مثلَ شوكةٍ
متذكِّراً ما سوفَ يأتي
ناسياً ما جرى
لاعناً حَسْبُ تلكَ المسافةَ
بينَ مقبسِ الضوءِ والسرير.
بعيداً عالياً
لا نبأةَ
في الصباحِ العتيمِ هذا، لا ظلال.
تقفُ الأشجارُ صافنةً
كما لو أنَّ أمراً سيحدثُ الآن.
الشارعُ مُبْتَلٌّ ويرعشُ
والريحُ التي عصفَتْ أمسِ في الليلِ
ألجأت كُلَّ الوريقاتِ إلى رصيفٍ واحدٍ.
تهبطُ السماءُ ثقيلةً
سوداءُ، غيمةً غيمةً
وتكادُ تُطْبِقُ.
ولدٌ وبنتٌ
بعيداً عالياً في آخر الشارع.
يحملانِ سلَّةً كبيرةً ملَّونةً
يحاذرانِ شجيرةَ الصبَّارِ
يختفيانِ في زهرِ السفرجلِ
في غبارِ الطَّلْعِ
في غَيابَةِ هذا الصباحِ البهي.
كرسيّ للحقيبة
الغائبُ في الخامسة.
في الركنِ العتيمِ
في مقهى المحطَّة.
دائرةٌ زرقاءُ معدنيَّةٌ.
كرسيٌّ لَهُ، كرسيٌّ للحقيبةِ
كرسيٌّ ليحدِّقَ فيهِ طويلاً غائباً.
وبينما لا يشربُ القهوة َ
لا يسمعُ الناسَ والقطاراتِ والأغاني
بينما، كتمثالٍ قديمٍ
يظَلُّ لا يبدأُ لا ينتهي
لا يقولُ، لا يغادرُ الحكايةَ
يكونُ قطارُ الخامسةِ والنصفِ غادر.
ذهاب أبيض
الياسمينةُ الأخيرةُ في شجيرةِ الياسمين
تكادُ من صباحاتٍ كثيرةٍ تسقط.
في انتظارِ رعشتِها
في احتمالِ اكتمالهِا
في ذهابِها الأبيض.
لو أنَّها توشكُ
في لحظةٍ، فراشةً.
لو أنَّها تطيرُ.
العوسجُ حابسٌ أنفاسَهُ في الحديقةِ
وثمَّة صنجٌ يُدَقُّ عالياً.
أزل خفيف
ليسَ لأنَّهُ أدارَ مفتاحَهُ دونما جَرَسٍ
ففاجأهُم، توتَّرَ
لا.
وليسَ لأنْ
كانَ عليهِ أصلاً أن يكونَ ميتاً
مَبْكِيَّاً قليلاً ومنسيَّاً.
إجتازهُم بقميصهِ المجروحِ
دونَ وقعٍ
دونَ أن يلقي التحيَّةَ
تاركاً على السجَّادِ من خطوِهِ
أَزَلاً خفيفاً، نحو غرفتِهِ.
لم يقل أحدٌ للبقيةِ ما رأى.
نظروا إلى صورتِهِ على الجدارِ
بقميصهِ قبلَ يُجْرَحَ
واطمأنَّ كُلٌّ إلى سِرِّهِ وأغضى.
بعد دهرٍ في دقائقَ عادَ يحمِلُ إبْرَةً
زِرَّاً وخيطاً، كُشْتِباناً
وتوتَّرَ مَرَّةً لمرأى النباتاتِ ثانيةً
شهيدةً في أوانيها.
لم يقل أحدٌ للبقيَّةِ بعدَها شيئاً.
آهةٌ أبيدةٌ، وبابٌ ينسفق.
نصف الليل
القمحُ لمْسَتُهُ
حينَ براحَةٍ مُتْعَبَةٍ يلامسُ أكتافَنا.
وسروٌ صاعدٌ صمتُهُ
لأنَّهُ ليسَ يشكو.
نحنُ لم نكن نفهمُ السنابلَ وقتها
لم نكن نفهمُ الندى.
كان يقسمُ الرغيفَ معجزةً بيننا
ويقسمُ أيَّامَهُ والوصايا.
يدورُ بعدَ نصفِ الليلِ
تبغُهُ بين إصبعيهِ
هاجساً في الغرف.
يَعُدُّنا
يُغَطِّي ما انكشفَ مِنَّا
يرنو قليلاً من الشُبَّاكِ
صافناً.
أُمِّيَ التي ألفُ متاهةٍ ومتاهةٍ
تلاحقُ الصبحَ كُلَّهُ جمرتَهُ
رمادةً، رمادة.
لحظةً، هنا
إذَنْ، ستبتعدُ النجمَ الذي نويت.
ستنتحي أفقاً بِهِ
زاعماً حينما الليلُ مسرباً
كَتوماً ، ناشداً عتمةً أكثرَ
بينما النجم يضيء.
لن تقودَكَ الوصايا
من يديكَ، إذَنْ.
ولن تساورَ هدأةً، بَعْدُ.
ستمرُّ مستوحشاً بالمقاهي
كما لو انَّكَ لم تكن مَرَّةً هُنا.
كما لو انَّ ذئبةً لم تقاسمكَ السُدى
ولم ترتجف
في مشهدِ الصحراءِ ريمٌ
في ارتعاشكَ.
ستلوبُ في فلكٍ
وتنوءُ بعتمةٍ تدَّعيها.
سيأخذُك الوضوحُ إلى المزالقِ
سوف تشقى
هارباً بالضوءِ في كُلِّ المخابئ.
أنتَ سريتَ بدايةً وفراشةً أنتَ تعرفُها.
وحين انتبهتَ كابَرْتَ
أوسعْتَ الخُطَى
أسرجْتَ أخْيِلَةً
لابثتَ المنازلَ صهوةً.
إذَنْ، ستبتعدُ النجمَ الذي نأيْت.
عصف تائه
إذا ساهراً، عند سروةٍ
فهو شبَّاكُها.
وإن خِلْتَ عصفاً تائهاً على ستارتِهِ
فاعلم أنَّها هناك.
إفْتَحْ وشيعةَ الصَّبْوةِ.
قُلْ عشَّيَّةُ الخيرِ
كي يهدأَ، مستوفزاً، حَبَقٌ
ثُمَّ ارتقِ العتباتِ التي هويتُ.
وقِّعْ ثلاثاً ناعماتٍ على الجرسِ
ثم اثنتينِ كما الخفقِ وانتظر.
ستفتحُ البابَ عارفةً أنَّكَ مِنِّي
ستأخذُكَ في حضنِها
إسترِحْ قليلاً.
لا يفزعنَّكَ أنَّنا مُعَلَّقونَ كُلُّنا علانيةً
واحداً، على الجدارِ، واحداً، بابتساماتِنا.
لا يفزعنَّكَ الخطوُ الثقيلُ إنْ مَرَّ.
حَرِّك الشايَ عَكْسَاً كما تعوَّدْتَ
عَلَّها سنواتُ وجهِها تَرْتَدُّ عشرينا.
سوفَ تجلسُ مجروحةً وساكتةً
أنتَ أيضا ًلا تقلْ شيئاً
لأنَّها، من يديكَ
من سعيكَ أن تبتسمَ
من إشاحةِ وجهِكَ في لحظةٍ
ستعرفُ أنَّنا تغيَّرْنا كثيراً.
رعشة الحكاية
على شوكةٍ قابضٌ حريرُها
على جمرةٍ، من أوَّلِ الكستناءِ، تريَّثَتْ.
رعشةُ الحكايةِ في الأصابعِ
في النبرِ مالا يُقال.
تحت سماءٍ فاترةٍ تتلهَّبُ
طقساً أفلتَ من نوعِ فواكهِهِ
فتحيَّرَ نسغٌ
وارتبكَتْ في الأغصانِ تويجاتُ.
عن سهرتِها يتأخَّرُ قمرٌ
هي منذ شبابينِ تعلِّمُهُ الضوءَ.
موج هي زُرْقتُهُ لا يفهمُ دفَّتَها
تعرفُ، لكن تتأسّى، تعصفُ.
تعصفُ بالأسباب وما يأتي
بالجمرةِ والحريرِ معاً.
تعصفُ بي، في الجملةِ، إذ أتأخَّرُ
إذ أجيءُ قبل توقُّعِها
إذ لا أعرفُ من ضربةِ مجذافٍ واحدةٍ
حيرةَ قاربِها
إذ أعرفُ.
تعصفُ بالكلماتِ وبالوقتِ، ويبدأُ
إذ تهدأُ، عصفٌ يأكلها.
شاي متأخر
عندَها رايتانِ
جنباً إلى جنبٍ، على بابٍ مُغْلَقٍ
قفصٌ وأجنحةٌ
أُفُقٌ
فَرَسٌ في إطارٍ
تكادُ لكنْ ليس تخطو.
أقولُ الغيمُ هذا العامَ لن يهمي
تُؤَكِّدُ «إنَّهُ وبلاً يلملمُ صابراً
أنتَ الذي لا ينتظر».
ويمرُّ العامُ والأعوامُ دونَ مواسمَ
وهي تهجسُ
«كم سوف تأتينا سماءُ».
تفرحُ إنْ قطرةٌ زانَتْ بِلَّوْرَ غُرفتِها
وتعلنُ القطرةَ هذِهِ بَدْءاً
وتقودُ خلفَ هذا البَدْءِ ريفاً كاملاً.
فأقولُ أميرةٌ
الخسارةُ حَلْيُها.
على شايٍ متأخرٍ
يُحَرَّكَ سُكَّري مرَّتينِ صوتُها
«ما من فائدةٍ
ما من فائدة»
ترفُّ قطرةٌ على البِلَّورِ
أفرحُ.
أقولُ بشارةٌ
سوفَ تمطرُ
سوفَ عالياً، الرعدُ، عالياً
والرايتانِ معاً.
عندَها تستبينُ بضدِّها
في كِتابةٍ على الجدارِ
أشياءُ.
ما يلزم البرعم
نحنُ في غيمةٍ.
يجيءُ من لبسةٍ كلامُنا
من لهفٍ ووشكِ انهمارٍ
من حُبْسَةٍ
والشجيراتُ على طرفِ الرصيفِ
عاريات.
ينحني منعطفٌ معتمٌ بنا
أتذَكَّرُ، آنها شبهاً لَهُ
لكنَّهُ يفضي.
تهوي خصلةٌ على عينيكِ سوداءُ
فأكادُ أرفعُها، فأرتدُّ.
هل هذِهِ يدي
هل الوجسُ العفيُّ هذا وِجْهَةٌ
أيمكنُ أن تعتدلَ الأرضُ
كُلَّما أطبقَ الأُفْقُ؟
سآخذُ فجأةً يدَكِ
وأقولُ بين حافلتينِ حاذري.
نحنُ في ما يلزمُ البرعمَ
في سدفةٍ
بعيدونَ عن غصونِنا.
يناورُنا شهابٌ نازلٌ
من أوَّلِ الليلِ في النوءِ.
تؤازينا سُهىً وسنانةٌ
ومن وَجَلٍ
مدنٌ تُناثِرُ من خطوِ الغريب.
مسطرة الوصايا
أخطاؤنا التي ليست بأيدينا
تسبقُنا إلى المخدَّةِ
تلبثُ بين الهدبِ والهدبِ ساعةً
أو ما تشاء.
تُلَوِّحُ في وجهِنا بمسطرةِ الوصايا
تأخذُنا إلى غرفةِ الغولةِ
إلى الضبعِ الأسودِ
إلى مغارةِ العقارب.
أخطاؤنا الصغيرةُ
تستيقظُ قبلَنا
تستحمُّ، تمشِّطُ شَعْرَها
تتأمَّلُ نفسَها عاريةً في مرايانا
وتكونُ كبرتْ قبلَ أن نصحو
وصارت جميلة.
مسك كثير
الساعةُ في اللوحةِ الزيتِ
سابعةٌ وربعٌ منذ عام.
والتفَّاحتانِ حمراوانِ
والصحنُ مستديرٌ، غامقٌ
وخلفَ الطاولةِ الستارةُ
بعدَ المقعدينِ
هادئةٌ وزرقاء.
تفتَّتَ مِسْكٌ كثيرٌ طيلةَ عامٍ
وزنبقاتٌ كثيرةٌ نسيَتْ أوراقَها
على الأريكةِ
تحتَ اللوحةِ الزيتِ
حيثُ الساعةُ دائماً سابعةٌ وربعٌ
والستارةُ هائمةٌ وزرقاء.
إبرة وملائكة
ليسَ حَسْبُ هذا المساء.
بل غالباً، وفي وقت كهذا
ينحلُ الشجر.
حين نصيرُ من الموجِ أقربَ
وتذهبُ المصابيحُ في العتمِ
وتستحيلُ الشمسُ جزيرةً
في أبعدِ البحرِ، حمراء.
ليسَ حَسْبُ حينَ تَمُدِّينَ يداً
وترتِّبينَ في وقتٍ كهذا ياقتي
أتذكَّرُ أنَّني لائبٌ وبعيدٌ
لا أزالُ لا أطفئُ النورَ خائفا ًمن غولةِ جدَّتي
بل أيضاً حين أضِلُّ في يديكِ معاً
وأنتِ ترتِّبينَ الشياطينَ على مخدَّتي
وتثبِّتينَ أزراري
بخيطٍ وإبرةٍ وملائكة.
العطر نفسه
لم تكن في أيِّ تلويحةٍ
لم تكن في أيِّ حفيفٍ مَرَّ بي.
هبطتُ الدرجَ الصاعدَ من رواقِ الأمتعةِ
لم أجدها.
وفي موقفِ الحافلاتِ لم أجد
حمقاءَ قصيرةً
لها جرحٌ صغيرٌ عندَ سُرَّتِها.
لم تأتِ
لن أعرفَ إذاً كم تغيرَت.
ألا تزالُ، كما منذ عامٍ
تضربُ الجدارَ برأسِها
كُلَّما غضبَتْ
وتمضي إلى أبعدِ الأرضِ
من أجلِ كلمةٍ واحدةٍ أقولُها؟
أتستخدمُ لا تزالُ العطرَ الذي لا أحبُّ
وتلبسُ الألوانَ التي أَكْرَهُ
وتتركُ أشياءها مرميَّةً
هُنا وهُناكَ
على حبالِ أعصابي؟
أَصَبِيُّ النهارِ الحرونِ، هي بعدُ
أَمَوْجَةُ الليلِ العالية؟
حينَ فتحتُ بابَ البيتِ لم تفاجئني حقائبُها
أشياؤها المجنونةُ المنثورةُ الآنَ هُنا
حتَّى رشاشُ الماءِ في الحَمَّامِ
حتى غناؤها.
كنتُ أُلاحِقُ من بابِ الحديقةِ العطرَ نفْسَهُ
عطرَها الذي لا أحبُّ.
مجروحة وآسرة
بالصَّرْخَةِ فجأةً عالياً
تغالبينَ السُّدى.
وتراوغينَ الدمعَ بالنكتةِ السافلة.
على الجدارِ القهوةُ
ما تزالُ من فورةٍ أخيرةٍ
وعلى الكرسيِّ، عند السريرِ
قربَ التميمةِ، من شهرينِ
شالٌ يؤرِّخُ لي يديكِ.
أَتَوجَّسُ إذ يتأخَّرُ الشجرُ
وإذ قمرٌ
وراءَ الغيمِ يختفي
وأخبِّئُ عن عينيكِ وردةً ذبلَتْ
وأحاذرُ كِلمةً
تفضي إلى الزَّعَلِ.
لأنَّكِ مجروحةٌ وآسرةٌ
منهوبةٌ من الخطفِ
حَدُّكِ الثأرُ
حَدُّكِ المغفرةُ
تدورينَ بعدَ الظُّهرِ كُلِّهِ
في ثيابٍ خفيفةٍ
في غرفٍ طائشة.
سطوةً، سطوةً
النصلُ في السريرَةِ
أهوجُ نائمٌ.
والرياحُ في سكونِهِ تستديرُ
تتركُ الأعالي للغصون.
الشمعةُ في عنادِها
ترخي سحابةً على السَقفِ.
في السحابةِ السَلَبُ
والخواتمُ
والساعتانِ والسلسلة.
لو أنَّهُ يظلُّ جَفْنَهُ دونَ أفكارِهِ
دونَ انتفاضةٍ تأتيهِ عادةً حين يرتبكُ
دونَ ارتيابِهِ دائما
دونَ حِدَّتِهِ الدريئةُ.
نَبْأةً ويصحو، يجرحُ الفجرَ
خطوةٌ ليعْثِرَ، خطوةٌ للهُدَى.
يشربُ الشايَ سطوةً سطوةً
يسألُ عن سُكَّرِ قهوتي
نَبْرُهُ بعدُ في الليلِ
في الصليل.
ارتباك المرايا
ما الذي وجدْتَ هُنا
وماذا أضعْت؟
مَرَّتْ بِكَ الحقولُ مَرَّاتٍ مواسمَ
خريفٌ تارةً لائذٌ بالزوايا هزيمٌ
زنبقٌ، ثانيةً، عنيدٌ
يربكُ في الممرَّاتِ الطويلةِ المرايا.
الشرفاتُ التي لاحقْتَ عمريْنِ ليستْ هُنا
والشوارعُ التي اتَّكأَتْ
هناكَ على غيابِكَ
لن، إلاَّ مجازاً، تستعيدَها، مجازاً
مستعيراً من النأيِ أشجارَها نواصيها
غريباً وأنتَ تعرفُها
أليفاً في تجانُسٍ هَشٍّ
دونما كنيةٍ غيرَ ما خلَّفَ العصفُ هذا.
دُقَّ، إذَنْ
لعلَّ رتاجاً سارحاً في البالِ ينفتحُ
لعلَّنا نتركُ رَنَّةً لما يمضي بنا
فيجرحُنا فنغتفرُ.
رَنَّةً هي كُلُّ ما سيرعشُ بعدَنا
بوصلةً، ربَّما
لمن سيتوهونَ في الجدرانِ هذه.
دُقَّ
أيُّها المرنَّحُ من مفاتيحَ كثيرةٍ.
هُنا الأبوابُ عاتيةٌ
هُنا الرياحُ تنصفقُ.